كتاب جماليات المكان في قصص سعيد حورانية محبوبة محمدي محمد آبادي PDF

يرجع اختياري موضوع جماليات المكان في قصص سعيد حورانية إلى اهتمامي الخاص به، بصفته قاصا بارزا استطاع من خلال الكلمة أن يعبر عن هموم أمته وشعبه. ونظرا لأن المكان القصصي يشكل عنصرا بارزا في قصصه فقد قمت باختياره موضوعا لدراستي هذه مع الأخذ بالحسبان الفرق بين المكان الروائي والقصصي، فالرواية تتمتع ببنيتها السردية الطويلة وكثرة شخوصها وفضائها الواسع الذي تتحرك فيه. ويبدو المكان فيها غنيا واضح المعالم يتفاعل مع الشخوص بوضوح، على حين يصعب أمكنة القصة القصيرة لأنها محكومة بقصر سرديتها وتكثيف زمانها وشخوصها، كما أن المكان فيها يتسم بطابع مجرر ورمزي، تظهر بعض ملامحه وتختفي الأخرى، ليقوم المتلقي برسمها أو تخيلها واستكناه دلالاتها، أو قد يغدو المكان عناصر تثبيت تمنع الأحداث من التبعثر في فضاء التعميم، وتمنحها خصوصية البيئة. وهكذا تقدم القصة موقفا مكثفا لا يتسع لتقفي الأبعاد المكانية بوضوح إلا إذا كانت هي نفسها محور القصة

لعب المكان في معظم قصص سعيد حورانية دوراً وظيفياً هامّاً وشغل حيّزاً بارزاً في تفكير العديد من شخصياته القصصية واهتمامها واتّخذ معاني ودلالات ورموزاً متنوعة، ارتبطت بِأيّام الانتداب الفرنسي وانفصال الجيل الجديد عن الجيل القديم فكرياً في مرحلة الخمسينات من القرن العشرين. وكان مسرح أحداثه القصصية في كثير من الأحيان يجري على أرض وطنه سورية، بمدنها وبيوتها وأحيائها وبساتينها ومقاهيها وأحياناً في داخل السجن.
وتختلف أشكال المكان الفني في نصّه القصصي تبعاً لاختلاف محتوى النصوص القصصية، وهذا يعني أن الشكل الذي يقدّم به المكان يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالنص الحكائي وأسلوب القاص في استخدام أدواته الفنيّة في التعبير عن أفكاره ومشاعره. ويعتمد مفهوم المكان في قصصه على خصوصياته الجمالية القائمة بذاتها، ويشتمل كذلك على البيئة الاجتماعية بمكوناتها ومواصفاتها، أي مجموع العوامل المكانية والاجتماعية التي تؤثر في حياة الإنسان وعواطفه وأفكاره ومواقفه.